كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن أدلتهم على وجوب العمرة: ما جاء في بعض روايات حديث في سؤال جبريل: «وأن تحج وتعتمر» أخرجه ابن خزيمة، وابن حبان، والدارقطني، وغيرهم. ورواه المجد في المنتقى بلفظ فقال: «يا محمد ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وتصوم رمضان» الحديث. وأنه قال: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» ثم قال المجد: رواه الدارقطني وقال: هذا إسناد ثابت صحيح. ورواه أبو بكر الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين.
ومن أدلتهم على وجوبها: ما أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل على النساء من جهاد؟ قال: «نعم عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة» اه قال المجد في المنتقى: رواه أحمد وابن ماجه، وإسناده صحيح، ومن أجوبة المخالفين عن هذه الأدلة الدالة على وجوب العمرة أن الحديث الذي قال أحمد: لا أعلم حديثا أجود في إيجاب العمرة منه، وهو حديث أبي رزين العقيلي، الذي فيه: «حج عن أبيك واعتمر» أن صيغة الأمر في قوله: واعتمر واردة بعد سؤال أبي رزين، وقد قرر جماعة من أهل الأصول أن صيغة الأمر الواردة بعد المنع أو السؤال: إنما تقتضي الجواز لا الوجوب، لأن وقوعها في جواب السؤال، عن الجواز دليل صارف عن الوجوب، إلى الجواز والخلاف في هذه المسألة معروف.
وقد قدمنا الكلام عليه في آيات الحج هذه وأجابوا عن آية: {وَأَتِمُّواْ الحج} [البقرة: 196] بأن المراد بها: الإتمام بعد الشروع كما تقدم إيضاحه، وأجابوا عن حديث: «الحج والعمرة فريضتان» الحديث. بأن في إسناده إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف لا يحتج به. وقال ابن حجر في التلخيص: ثم هو عن ابن سيرين، عن زيد وهو منقطع ورواه البيهقي موقوفًا، على زيد من طريق ابن سيرين، وإسناده أصح وصححه الحاكم، ورواه ابن عدي والبيهقي من حديث ابن لهيعة، عن عطاء، عن جابر وابن لهيعة ضعيف. وقال ابن عدي: هو غير محفوظ، عن عطاء انتهى محل الغرض منه وبه تعلم أن حديث زيد بن ثابت المذكور: ليس بصالح للاحتجاج، وأجابوا عما جاء في حديث جبريل، عن عمر مرفوعًا بلفظ «وأن تحج وتعتمر» بجوابين.
أحدهما: أن الروايات الثابتة في صحيح مسلم، وغيره وليس فيها ذكر العمرة وهي أصح، وقد يجاب عن هذا بأن زيادة العدول مقبولة.
والجواب الثاني: هو ما ذكر الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار في شرحه للحديث المذكور، ونص كلامه.
فإن قيل: إن وقوع العمرة في جواب من سأل عن الإسلام: يدل على الوجوب فيقال: ليس كل أمر من الإسلام واجبًا. والدليل على ذلك: حديث شعب الإسلام، والإيمان، فإنه اشتمل على أمور ليست بواجبة بالإجماع اه منه وله وجه من النظر.
وأجابوا عن حديث عائشة: بأن قوله صلى الله عليه وسلم: «عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة» بأن لفظة: عليهن: ليست صريحة في الوجوب، فقد تطلق على ما هو سنة مؤكدة، وإذا كان محتملًا لأرادة الوجوب والسنة المؤكدة، لزم طلب الدليل بأمر خارج وقد دل دليل خارج على وجوب الحج، ولم يدل دليل خارج، يجب الرجوع إليه على وجوب العمرة.
هذا هو حاصل أدلة القائلين بوجوب العمرة مرة في العمر ومناقشة مخالفيهم لهم.
أما القائلون: بأن العمرة سنة لا فرض، فقد احتجوا أيضًا بأدلة:
منها: ما رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه، والبيهقي، وابن أبي شيبة وعبد بن حميد، عن جابر رضي الله عنه: أن إعرابيًّا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أخبرني عن العمرة، أواجبة هي؟ فقال: «لا وأن تعتمر خير لك» وفي رواية: «أولى لك» وقال صاحب نيل الأوطار: وقد رواه البيهقي من حديث سعيد بن عفير عن يحيى بن أيوب، عن عبيد الله، عن جابر بنحوه، ورواه ابن جريج، عن ابن المنكدر، عن جابر وقال ابن حجر في التلخيص، وفي الباب عن أبي صالح، عن أبي هريرة رواه الدارقطني، وابن حزم والبيهقي وإسناده ضعيف.
وأبو صالح: ليس هو ذكوان السمان، بل هو: أبو صالح ماهان الحنفي، كذلك رواه الشافعي، عن سعيد بن سالم عن الثوري، عن معاوية بن إسحاق، عن أبي صالح الحنفي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحج جهاد والعمرة تطوع» ورواه ابن ماجه من حديث طلحة، وإسناده ضعيف. والبيهقي من حديث ابن عباس ولا يصح من ذلك شيء.
واستدل بعضهم ما رواه الطبراني من طريق يحيى بن الحارث عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعًا: «من مشى إلى صلاة مكتوبة فأجره كحجة، ومن مشى إلى صلاة تطوع فأجره كعمرة».
هذا هو حاصل أدلة من قالوا: بأن العمرة غير واجبة.
وأجاب مخالفوهم عن أدلتهم، قالوا: أما حديث سؤال الإعرابي النَّبي صلى الله عليه وسلم عن وجوب العمرة، وأنه أجابه: بأنها غير واجبة، وأنه إن اعتمر تطوعًا، فهو خير له بأنه حديث ضعيف، وتصحيح الترمذي له مردود، ووجه ذلك أن في إسناده: الحجاج بن أرطاة، وأكثر أهل الحديث على تضعيف الحجاج المذكور كما قدمناه مرارًا، وقال ابن حجر في التلخيص: وفي تصحيحه نظر كثير من أجل الحجاج، فإن الأكثر على تضعيفه، والاتفاق على أنه مدلس، وقال النووي، ينبغي ألا يغتر بكلام الترمذي في تصحيحه، فإنه اتفق الحفاظ على تضعيفه وقد نقل الترمذي، عن الشافعي أنه قال: ليس في العمرة شيء ثابت: أنها تطوع. وأفرط ابن حزم فقال: إنه مكذوب باطل. اه محل الغرض من كلام ابن حجر. ثم قال بعد هذا في الحديث المذكور: أنه موقوف على جابر، وقال كذلك: رواه ابن جريج عن ابن المنكدر عن جابر اهـ منه. هذا هو حاصل حجج من قالوا: إن العمرة سنة لا واجبة.
وقال الشوكاني: في نيل الأوطار، بعد أن ساق الأحاديث، التي ذكرنا في عدم وجوب العمرة ما نصه: قال الحافظ: ولا يصح من ذلك شيء، وبهذا تعرف أن الحديث من قسم الحسن لغيره، وهو محتج به عند الجمهور، ويؤيده ما عند الطبراني: عن أبي أمامة مرفوعًا «من مشى إلى صلاة مكتوبة فأجره كحجة، ومن مشى إلى صلاة غير مكتوبة، فأجره كعمرة» إلى أن قال والحق عدم وجوب العمرة، لأن البراءة الأصلية، لا ينتقل عنها إلا بدليل يثبت به التكليف، ولا دليل يصلح لذلك، لاسيما مع اعتضاده بما تقدم من الأحاديث القاضية: بعدم الوجوب، ويؤيد ذلك اقتصاره صلى الله عليه وسلم على الحج في حديث: «بني الإسلام على خمس» واقتصار الله جل جلاله على الحج في قوله: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} [آل عمران: 97] انتهى محل الغرض منه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي أن ما احتج به كل واحد من الفريقين، لا يقل عن درجة الحسن لغيره، فيجب الترجيح بينهما، وقد رأيت الشوكاني: رجح عدم الوجوب بموافقته للبراءة الأصلية، والذي يظهر بمقتضى الصناعة الأصولية: ترجيح أدلة الوجوب، على أدلة عدم الوجوب وذلك من ثلاثة أوجه:
الأول: أن أكثر أهل الأصول يرجحون الخبر الناقل عن الأصل: على الخبر المبقي على البراءة الأصلية، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود في مبحث الترجيح باعتبار المدلول:
وناقل ومثبت والآمر ** بعد النوهي ثم هذا الآخر

على إباحة.. إلخ.
لأن معنى قوله: وناقل أن الخبر الناقل عن البراءة الأصلية مقدم على الخبر المبقي عليها. وعزاه في شرحه المسمى: نشر البنود للجمهور، وهو المشهور عند أهل الأصول.
الثاني: أن جماعة من أهل الأصول: رجحوا الخبر الدال على الوجوب، على الخبر الدال على عدمه. ووجه ذلك: هو الاحتياط في الخروج من عهدة الطلب، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود المذكور آنفًا: ثم هذا الآخر... على إباحة... إلخ. لأن مراده بالآخر المقدم على الإباحة: هو الخبر الدال على الأمر، فالأول الدال على النهي، لأن درأ المفاسد، مقدم على جلب المصالح، ثم الدال على الأمر للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب، ثم الدال على الإباحة ويشمل غير الواجب، فيدخل فيه المسنون والمندوب، لاشتراك الجميع في عدم العقاب على ترك الفعل.
الثالث: أنك إن علمت بقول من أوجبها فأديتها على سبيل الوجوب برئت ذمتك بإجماع أهل العلم من المطالبة بها، ولو مشيت على أنها غير واجبة فلم تؤدها على سبيل الوجوب بقيت مطالبًا بواجب على قول جمع كثير من العلماء. والنَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ويقول: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» وهذا المرجح راجع في الحقيقة لما قبله، والعلم عند الله تعالى.
فروع تتعلق بهذه المسألة:
الفرع الأول: اعلم أنه لا خلاف بين أهل العلم في أن جميع السنة وقت للعمرة إلا أيام التشريق. فلا تنبغي العمرة فيها حتى تغرب شمس اليوم الرابع عشر، على ما قاله جمع من أهل العلم.
الفرع الثاني: اعلم أنه قد صح عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «أن عمرة في رمضان، تعدل حجة» وفي بعض روايات الحديث في الصحيح: «حجة معي».
الفرع الثالث: اعلم: أن التحقيق أن النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب بعد الهجرة قطعًا، وأنه لم يعتمر بعد الهجرة، إلا أربع عمر. الأولى: عمرة الحديبية في ذي القعدة، من عام ست، وصده المشركون، وأحل ونحر من غير طواف ولا سعي، كما هو معلوم. الثانية: عمرة القضاء في ذي القعدة، عام سبع: وهي التي وقع عليها صلح الحديبية.
وقد قدمنا في سورة البقرة وجه تسميتها عمرة القضاء وأوضحناه. الثالثة: عمرة الجعرانة في ذي القعدة من عام ثمان، بعد فتح مكة في رمضان عام ثمان. الرابعة: العمرة التي قرنها، مع حجة الوداع. هذا هو التحقيق.
وقد قدمنا الإشارة إليه ولنكتف هنا بما ذكرنا من أحكام العمرة، لأن غالب أحكامها ذكرناه في أثناء كلامها على مسائل الحج. والعلم عند الله تعالى.
{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)}.
قوله تعالى: {وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] صيغة الأمر في هذه الآية الكريمة: تدل على وجوب الإيفاء بالنذر، كما قدمنا مرارًا أن صيغة الأمر تقتضي الوجوب، على الأصح، إلا لدليل صارف عنه.
ومما يدل من القرآن على لزوم الإيفاء بالنذر: أنه تعالى أشار إلى أنه هو، والخوف من أهوال يوم القيامة، من أسباب الشرب من الكأس الممزوجة بالكافور في قوله تعالى: {إِنَّ الأبرار يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان: 5- 6] ثم أشار إلى بعض أسباب ذلك فقال: {يُوفُونَ بالنذر وَيَخَافُونَ يَوما كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7] فالوفاء بالنذر ممدوح على كل حال، وإن كانت آية الإنسان ليست صريحة في وجوبه، وكذلك قوله في سورة البقرة: {وما أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ الله يَعْلَمُهُ} [البقرة: 270] الآية. وقد بينا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن البيان بالقران، إن لم يكن وافيًّا بالمقصود أتممناه بالبيان بالسنة. ولذلك سنبين هنا ما تقتضيه السنة من النذر الذي يجب الإيفاء به، والذي لا يجب الإيفاء به.
اعلم أولًا: أن الأمر المنذور له في الجملة حالتان:
الأولى: أن يكون فيه طاعة لله.
والثانية: ألا يكون فيه طاعة لله، وهذا الأخير منقسم إلى قسمين.
أحدهما: ما هو معصية لله.
والثاني: ما ليس فيه معصية في ذاته، ولَكِنه ليس من جنس الطاعة كالمباح الذي لم يؤمر به.
والذي يجب اعتماده بالدليل في الأقسام الثلاثة المذكورة: أن المنذور إن كان طاعة لله، وجب الإيفاء به، سواء كان في ندب كالذي ينذر صدقة بدراهم على الفقراء، أو ينذر ذبح هدي تطوعًا أو صوم أيام تطوعًا، ونحو ذلك. فإن هذا ونحوه، يجب بالنذر، ويلزم الوفاء به. وكذلك الواجب إن تعلق النذر بوصف، كالذي ينذر أن يؤدي الصلاة في أول وقتها، فإنه يجب عليه الإيفاء بذلك.
أما لو نذر الواجب كالصلوات الخمس، وصوم رمضان، فلا أثر لنذره، لأن إيجاب الله لذلك أعظم من إيجابه بالنذر، وإن كان المنذور معصية لله: فلا يجوز الوفاء به، وإن كان جائزًا لا نهي فيه، ولا أمر فلا يلزم الوفاء به.
أما الدليل على وجوب الإيفاء في نذر الطاعة وعلى منعه في نذر المعصية فهو: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه ذلك.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: حدثنا أبو نعيم، حدثنا مالك، عن طلحة بن عبدالملك، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه»اهـ. وهو ظاهر في وجوب الإيفاء بنذر الطاعة، ومنع الإيفاء بنذر المعصية.
وقال البخاري أيضًا: حدثنا أبو عاصم، عن مالك، عن طلحة بن عبدالملك، إلى آخر الإسناد والمتن المذكورين آنفًا.
وإذا علمت أن هذا الحديث الصحيح، قد دل على لزوم الإيفاء بنذر الطاعة، ومنعه في نذر المعصية.
فاعلم: أن الدليل على عدم الإيفاء بنذر الأمر الجائز: هو أنه ثبت أيضًا عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا أيوب، عن عكرمة عن ابن عباس قال: «بينا النَّبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذ هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل ولا يتكلم، ويصوم، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: مره فليتكلم، وليستظل وليقعد، وليتم صومه» اه محل الغرض من صحيح البخاري. وفيه التصريح بأن ما كان من نذره من جنس الطاعة، وهو الصوم أمره صلى الله عليه وسلم بإتمامه، وفاء بنذره وما كان من نذره مباحًا لا طاعة، كترك الكلام، وترك القعود، وترك الاستظلال، أمره بعدم الوفاء به، وهو صريح في أنه لا يجب الوفاء به.
واعلم أنا لم نذكر أقوال أهل العلم هنا للاختصار، ولوجودج الدليل الصحيح من السنة على ما ذكرنا.
فروع تتعلق بهذه المسألة:
الفرع الأول: اعلم أنه لا نذر لشخص في التقرب بشيء لا يملكه، وقد ثبت ذلك عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: وحدثني زهير بن حرب، وعلي بن حجر السعدي واللفظ لزهير قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث بطوله.
وفيه ما نصه: وأسرت امرأة من الأنصار، وأصيبت العضباء فكانت المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق، فأتت الإِبل، فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء، فلم ترغ قال: وناقة منوقة فقعدت في عجزها، ثم زجرتها فانطلقت ونذروا بها فطلبوها، فأعجزتهم قال: ونذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها. فلما قدمت المدينة، رآها الناس فقال: العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه سولم قالت: غنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال: «سبحان الله بئسما جزتها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد» الحديث. ومحل الشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا فيما لا يملك العبد» وهذا نص صحيح صريح فيما ذكرنا، ويؤيده حديث ثابت بن الضحاك: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا وفاء لنذر في معصية الله ولا في قطيعة رحم ولا فيما لا يملك ابن آدم»اهـ.